تقرير حول اليوم الثاني: “المؤتمر الأول للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية”

 تقرير حول اليوم الثاني: “المؤتمر الأول للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية”

تابع المؤتمر الأول للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية” الذي ينظمه مركز حرمون للدراسات المعاصرة والجمعية السورية للعلوم الاجتماعية، بالاشتراك مع مجلة قلمون، تحت شعار “الحرية الأكاديمية الكاملة للباحثين الاجتماعيين”، أعماله يوم السبت، لليوم الثاني على التوالي، بجلسات عدة شارك فيها باحثون اجتماعيون ومختصون سوريون.

محاضرة رئيسة

بدأت فعاليات اليوم الثاني بمحاضرة رئيسة، بعنوان “ألا تزال الديمقراطية راهنة بعد ثورات الربيع العربي؟“، تحدث فيها برهان غليون، أستاذ علم الاجتماعي السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون، وتوجه فيها بداية بشكر مركز حرمون، لترتيب هذا المؤتمر وإنشاء مركزٍ يحاول أن يملأ فراغًا كبيرًا في النقاش الفكري والسياسي.

استهل غليون حديثه بالإشارة إلى أن المسألة الكبرى التي تشغل السوريين منذ عقود هي التغيير السياسي نحو الديمقراطية، وكانت الثورة السورية أحد مظاهره الكبرى، وقال: “أنظر إلى الديمقراطية على أساس أنها معركة، وليست نظامًا نحاول إصلاحه، وما نعيشه هو معركة من أجل الديمقراطية التي هي أمام تحديات كبيرة، وما أنجزته الثورة هو نصفُ المهمة، وهو إسقاط نظام العبودية”. وأضاف: “نظام الأسد هو نظام استعباد للناس، فَرَض مشيئة فرد أو مجموعة أو جماعة على المجتمع ككل، وفرض إملاء الأوامر عليها، لكن هذا النظام هشمته الثورة، وهو إنجاز مهم جدًا، وكأننا حطمنا جدران السجن”. وتابع: “مع سقوط النظام سقطت الدولة، وأصبح الكيان السوري كله في مهبّ الريح”.

ومن بين التحديات التي تحدّث عنها غليون، مسألة “الشعب نفسه“، وقال: “نستطيع القول إنّ الشعب تشتت، بالمعنى الفيزيائي والنفسي والاجتماعي، وكلّ ذلك تزعزع فعليًا، وأصبح بالإمكان أن نتكلم على الشتات السوري الذي لم نكن نتحدث عنه سابقًا، ولكن السؤال: كيف بإمكاننا توحيد هذا الشعب واستعادة وحدة الشعب؟”.

وتابع: “تُطرح بشكل كبير مسألة الهوية، من منطلق وحدانية الثقافة أو المرجعية، وإننا نبحث عن هوية واحدة مشتركة، تُغّيب العربي والكردي والشركسي والعلوي والمسيحي والدرزي والسنّي، وهذا ما يذكرني بفكرة التجانس”. ورأى أن “لا وجود لهوية تُصنع بإلغاء التعددية، لذلك فإن مفهوم الهوية الثقافية التي يحاول من خلالها أي شخص، من وجهة نظره، إثبات أنه هو الأساس، هو طريق مسدود وخاطئ، فالتعدد سيبقى، وهوية الأمة والشعب هي الذاكرة التي تكونت عبر التاريخ”.

وأشار إلى أن “الثقافة الواقعية اليوم هي من تحدد الهوية، وهذه الثقافة متعددة، وإن هوية سورية الثقافية تعددية، من دون أن ننكر أنه ضمن هذه التعددية يوجد شيء مهيمن، وهذا الأمر قضية تاريخية”. وأكد أن “من الضروري أن يكون لدى السوريين عِلمٌ بأن لهم دولة اسمها سورية، وأن لا يفكروا خارجها بما يتعلق ببناء الشعب والدولة، إذ لا توجد وطنية من دون الانتماء إلى الأرض، وهنا يجب التمييز بين القومية، أي الانتماء للقوم وللثقافة وللأصول والذاكرة”. وأوضح أن “الوطنية هي الانتماء إلى القطر وإلى الأرض، وما يجمعنا اليوم، كسوريين، هو كوننا نعيش على نفس الأرض، ويجب أن نجد نظامًا يؤمن لنا أن نعيش جميعًا أحرارًا على هذه الأرض وبسلام، وهنا يبدأ التفكير ببناء دولة وطنية بالمعنى الحديث، أي بمعنى الارتباط بالوطن والدولة وحب الوطن”.

وحذّر غليون في سياق حديثه، من “محاولة بناء شيء اسمه (قومية سورية)، أي أن لا نخلط بين الوطنية السورية، بمعنى الاهتمام والتركيز على بناء سورية نفسها كدولة ناجزة تحتمل صفات أن تكون دولة أمة، وبين البحث عن قوميّة سورية لها خصائص مختلفة عن العرب والشركس والأرمن الخ..، أي اختراع قومية بالمعنى القومي”. وتحدث عن “فكرة العقد الاجتماعي” التي تُطرح اليوم، موضحًا أن العقد الاجتماعي هو مفهوم إجرائي، أي مفهوم يحاول أن يحلل كيف تثبت النُظم وتستقر، وعلى أي قواعد محددة يقوم النظام الاجتماعي”. وأضاف أن “العقد الاجتماعي الذي كان سائدًا قبل الثورة السورية هو (عقد إذعان، مقابل الاحتفاظ بحياتك أو إنقاذ حياتك)، والنظام السابق أقيم على عقد سابق اسمه (عقد الإذعان، مقابل الحرية المطلقة للحاكم)، وهو الذي يملي (الحاكم) مشيئته وإرادته ويقرر مصير المجتمع ككل”. وأعرب غليون عن أمله في “الوصول إلى عقد المواطنة”، وعن أمله في “أن يكون لكل مواطن حقوق وواجبات متساوية، وأن يكون هناك سلام، لكي نستطيع أن نضمن حقوق الناس الآخرين”.

ومن التحديات الأخرى التي تحدث عنها “كيف يمكننا أن نخلق من جماعات متمزقة شعبًا واحدًا، بالمعنى السياسي لا بالمعنى الثقافي؟”. وقال: “لا يمكن تحوّل القوم إلى شعب، إلا عندما يصبح سيدًا وصاحب سيادة، وعندما تعترف له الدول بحق تقرير مصيره، وعندما يكون قادرًا على حكم نفسه بنفسه، فالسيادة هي إظهار الشعب لقدرته بأن يحكم نفسه بنفسه، من دون مساعدة ودون فوضى وصراعات وحرب أهلية دائمة، لذا فإن التحدي الثاني هو انتزاع هامش للسيادة حتى نكون شعبًا يُعترف به.. نحن اليوم نموذج لشعب فاقد سيادته تمامًا، ويبحث عن مصيره، وبلادنا مستباحة إستراتيجيًا، وليس لديها أي مجال سيادي تستند إليه لتقرر مصيرها وتعيد بناء نفسها”.

وأشار إلى أن هناك خمسة عوامل للانهيار الإستراتيجي الذي نحن فيه، ولا بدّ من واجهتها، ومنها: الاحتلالات، تراجع نفوذ المواثيق الدولية خاصة ما يتعلق بحقوق الشعوب وحق تقرير المصير وسيادة الشعوب على نفسها وعلى أرضها، الاندماج العالمي الذي جعل المصالح الأمنية متداخلة، نزوع عند أكثر من دولة عظمى أو كبرى إلى بناء إستراتيجية كونية على مستوى الكرة الأرضية؛ إذ أصبح لدينا أقطاب كبرى تعمل على مستوى الأرض، وليس على مستوى محلي، وهذا نعيشه في سورية، وبسبب تراجع نفوذ المواثيق الدولية، وبسبب انهيار القطب الواحد؛ نشأت نزوعات عند كثير من الدول إلى بناء إمبراطورية، وهناك نماذج مختلفة ومنها إيران، خاصة في منطقة مثل منطقتنا، لا يوجد فيها أي معاهدة تُحترم أو تُطبق، وبالتالي هي منطقة فارغة قانونية، ولا احترام لأي سيادة حقيقية، لذا لا بدّ من أن يكون هناك مشروع وطني ومركز قرار وطني، لكي نستعيد السيادة لتوحيد شعبنا”.

وتساءل عن الأسباب التي تقف وراء الفشل في إنتاج مركز قيادة وقرار وطني لتنظيم القوى لتحقيق أهداف محددة، أولها تدّخل الدول بالمعارضة السورية، وعدم قدرة المعارضة على الحد من هذا التدخل، إضافة إلى التركيز على فساد المعارضين، لتبرير أسباب الفشل في إنتاج مركز قرار وطني، وقال: “السبب برأيي ليس له علاقة بالمعارضة وليس بتبعية المعارضة، المشكلة بنيوية، وتعود لبنية النخب الاجتماعية السورية”.

ومن التحديات الأخرى التي تحدث عنها غليون، “معضلة الطائفية”، وقال: “المقصود هنا العلاقة التي نشأت خلال العقود الأربعة الماضية، بين الطائفة العلوية وبين النظام الحاكم أو النظام المجرم المستبد، إذ تمّ خلق علاقة متبادلة بين الطرفين؛ فالنظام ورّط الطائفة وخلق شعورًا بأن الطائفة العلوية كلّها مسؤولة عن الجرائم التي يرتكبها النظام، فأصبحت الطائفة تخشى من الانتقام منها، في حال تركت النظام لمصيره أو تغيّر النظام، وهكذا بات النظام يحتمي بالطائفة ويردع بها ويوحي بأن بقاءه في السلطة هو خدمة للسلام والأمن في سورية، وبأن ذهابه سيؤدي إلى اندلاع حرب أهلية. ولذلك فإن مسؤوليتنا اليوم هي أن نستطيع الوصول إلى الفصل بين النظام وبين الطائفة”. وأشار غليون إلى أن “الشرط الأول للدخول في الصراع من أجل الديمقراطية هو كسر جدار الاستبداد وشرعيته، وهذا شيء مهم، وهذا هو المكسب الرئيس للسوريين من الثورة السورية”.

الجلسة الثالثة

كانت الجلسة الثالثة بعنوان “الفلسفة والتراث… التجربة والنظرية“، وناقشت أربعة محاور، وشارك فيها عدد من الباحثين، وأدارها سمير سعيفان، مدير مركز حرمون للدراسات المعاصرة.

في المحور الأول، قدّم يوسف سلامة، رئيس تحرير مجلة قلمون، تحليلًا لمضمون كتاب “معالم التجربة الفلسفية في سورية ومستقبلها“، وقال إن “هذا الجانب كان مهملًا تمامًا، ولا يعرف الناس عنه إلا القليل، حول الفلاسفة والمفكرين الذي يمارسون الفكر الفلسفي أو شبه الفلسفي”. وأضاف أن “التأخر الذي عانته سورية من الوصول إلى الحداثة، ترك أثره بوضوح على التجربة السورية، بحيث تفوق اللبنانيون علينا، وكانوا روادًا في كثير من المناسبات”. وتابع: “حتى عندما وصل الانتداب الفرنسي إلى سورية، ظلت ثقافة الحداثة محصورة إلى حد كبير في إطار ضيق من المسيحيين السوريين وبعض العائلات المسلمة الغنية والأرستقراطية، التي جعلت أبناءها يدخلون في المدارس التي تم إنشاؤها بعد وصول الانتداب إلى سورية، وكانت تسمح بتعلم اللغات الأجنبية، وهكذا ظل السوريون منفصلين عن فرص إتقان اللغات الأجنبية، إلا قلة قليلة منهم، هم الذين استطاعوا أن يحصلوا هذه المعرفة”.

وأضاف: “عندما نراجع أسماء الشخصيات الذين كتبوا الفلسفة في سورية، نجد أن معظم الكتاب السوريين الذين أطلقنا عليهم اسم الفلاسفة قد حصّلوا ثقافتهم، في فترة الانتداب والفترة الأولى الليبرالية التي تلت الانتداب، قبل استيلاء العسكر على السلطة في الستينيات من القرن الماضي”. وقال: “أضف إلى ذلك أن السوريين سرعان ما عانوا حكم العسكر الذين حرموا السوريين من الشروط الأساسية للتفكير الفلسفي، وهي حرية التعبير وحرية التفكير، من خلال قوانين الطوارئ ومشتقاتها، كما حرموهم من كل وسيلة للتفكير الحر، وأغلقوا مدارس تعليم اللغة الأجنبية، ولم يعد هناك فرصة للأجيال الحديثة من السوريين لأن يتعلموا اللغات الأجنبية”.

وتساءل: “كيف يمكن للفلسفة أن تنشأ، من دون أن يكون المرء على معرفة باللغة الأجنبية، وأن يكون في الوقت نفسه متمتعًا بقدر من الحرية الفكر وحرية التعبير؟ وهكذا حُرم السوريون من هاتين الأداتين الضروريتين لتأسيس الفكر الفلسفي أو حتى غير الفلسفي”. ورأى أن “التجربة الفلسفية في سورية تكاد تكون قد توقفت مع حكم العسكر، ونحن اليوم محتاجون إلى أن نفكر في إعادة بنائها من جديد، من خلال الأجيال الشابة التي عاشت في المهاجر، أو من خلال الذين سبق لهم أن درسوا في أوروبا قبل الثورة السورية، ثم لم يلبثوا أن اضطروا إلى العودة إلى سورية”.

وفي المحور الثاني، ناقش حسام الدين درويش، الباحث في مركز الدراسات الإنسانية للبحوث المتقدمة في ألمانيا، دراسة بعنوان “(سوء) فهم المفاهيم المعيارية الكثيفة: في تجاوز التقابل القطبي بين توصيف الواقع وتقييمه“.

وأوضح درويش أن “هذه المفاهيم تجمع بين الوصف والتقييم في وقت واحد، وهذا يعني وجود نوع ثالث من المفاهيم، ليست معيارية فقط وليست وصفية فقط، وإنما هي معيارية ووصفية بنفس الوقت”. وأضاف أن “هذا النوع من المفاهيم يمكن أن يخالف القول بوجود ثنائية قطبية الواقع من جهة والمعايير من جهة أخرى، والوصف من جهة والتقييم من جهة أخرى، أما المسألة الأهم فهي أن هذا يتعلق في كل العلوم الإنسانية والاجتماعية على الأقل، وفي حياتنا اليومية وفي الخطاب السياسي والاجتماعي، فليس هناك من يمكن أن يكون له مهرب من هذا الجمع المرغوب أو غير المرغوب الإرادي أو غير الإرادي بين القيمة والواقعة”.

وأشار إلى المسائل الإشكالية الرئيسة المتعلقة بالمفاهيم المعيارية الكثيفة، ومنها إشكالية الجمع بين المعياري والوصفي، في المفهوم المعياري الكثيف، وهل هناك معيار كثيف أصيل، وأيضًا إشكالية الاختلاف بين المفاهيم المعيارية الكثيفة والمفاهيم المعيارية الخفيفة، ومن الإشكاليات الأخرى أيضًا مسألة البعد المعياري: هل هو براغماتي تداولي أم سيمانطيقي؟

وناقشت فاطمة ياسين، الكاتبة والصحافية، دراسة بعنوان “الأثر السوري في حكايات ألف ليلة وليلة – دراسة دور القاص الحلبي حنا دياب“. وقدمت ملخصًا عن البحث الذي أشار إلى أن الدور السوري كان أساسيًا في مدينة بغداد، على الرغم من أنها هي الحيز المكاني النمطي الذي تدور فيه قصص ألف ليلة وليلة. وأضافت أن (ألف ليلة وليلة) تُرجمت إلى الفرنسية في بدايات القرن الثامن عشر، لكن الدور السوري ظهر حين اعتمد المستشرق والمترجم الفرنسي الشهير أنطوان غالان، على مخطوط سوري لنقل هذه الليالي إلى الفرنسية، ثم تواصل غالان مع حنّا دياب، التاجر والقاص الحلبي الذي أقام في باريس واجتمع معه مرات عدة، ونقل عنه مجموعة مرويات شفهية ومكتوبة، ثم صاغها قصصًا، وأضافها إلى ترجمة الليالي بالفرنسية.

وأوضحت أنه اصطُلح على وصف هذه القصص المضافة بـ “القصص اليتيمة”، وكانت غير موجودة في نسخة بولاق “المصدر المعياري” لقصص ألف ليلة وليلة، الذي جُمع في أواخر القرن الثامن عشر وطُبع لأول مرة في مصر سنة 1835، ويمكن القول إن (دياب/ غالان) هما مؤلفا القصص اليتيمة التي أدخلت إلى مجموعة قصص ألف ليلة وليلة، ومن أشهر القصص اليتيمة التي نقلها غالان، قصة علاء الدين والمصباح السحري، وقصة علي بابا والأربعين حرامي.

ويستعرض البحث علاقة الثنائي “دياب/غالان”، ويتتبع أثر شخصية حنا دياب وخلفيته الثقافية السورية التي نشأ فيها إلى جانب اطلاعاته المتنوعة، بحكم عمله بالتجارة والترجمة، وتأثير ذلك على حكاياته التي قصّها على المستشرق غالان، ويحاول البحث دراسة الدور الذي لعبه غالان نفسه، في ترتيب وتنسيق الحكايات، من خلال تصوره عن الشرق في إعادة صياغة القصص وإعطائها شكلها الحالي المنشور بالفرنسية.

ويحتوي البحث على مقدمة حول نسخة بولاق من ألف ليلة وليلة، والاهتمام الشعبي والنخبوي فيها بين المصريين، وقد خضعت هذه النسخة لعمليات تحرير وتأليف، استمرت قرونًا من الزمن، وأُضيف إليها عدد كبير من القصص حتى غدت ألف حكاية وحكاية. ويختتم البحث صفحاته بالتأكيد أن حنا دياب يبقى مجهولًا، إلى حد كبير، في المنشورات العربية التي تتناول الموضوع، بالرغم من الأهمية التي يحظى بها والقصص اليتيمة في أوساط الدوائر الأكاديمية والأدبية الغربية المهتمة بكتاب ألف ليلة وليلة.

بدوره، ناقش وسيم الشرقي، الكاتب والمسرحي، دراسة بعنوان “معركة السرديات… صورة تركيا في المسلسلات التلفزيونية العربية“، وقال: بالرغم من مرور قرابة قرن من الزمن على انتهاء الخلافة العثمانية، فإن سرديتها ما تزال حاضرة بشكل متكرر في الحياة السياسية والثقافية العربية، سواء عبر استخدامها كأداة للتفكير في النقاشات السياسية والثقافية، أو عبر تقديم مقاربات فنية مختلفة عنها. وأشار إلى أن استخدام الماضي العثماني في الفنون العربية الحديثة والمعاصرة يتمظهر غالبًا على شكل أعمال حادة الطرح، تملك منذ البداية آراء واضحة وقاطعة حول تلك الفترة من تاريخ المنطقة، وفي معظم الحالات تكون تلك الآراء حادة لا تترك أي مساحة للشك أو المساءلة، حول السرديات التي تقدمها عن مرحلة تاريخية في غاية التعقيد والتشابك، أي أن تلك الأعمال تقدم أجوبة دون أن تكون معنية بطرح الأسئلة.

وتناولت الدراسة أثر المسلسلات الدرامية التلفزيونية، وبخاصة تلك المنتجة في الـ 30 عامًا الأخيرة، وتم التركيز على مسلسلين اثنين هما: “ممالك النار” الذي أثار عرضه نهاية العام 2019 زوبعة سياسة وإعلامية، بين العالمين العربي وتركيا، وهو يعالج فترة سيطرة الدولة العثمانية على مصر المملوكية في القرن السادس عشر، وفق وجهة نظر حملت كثيرًا من الشيطنة للدولة العثمانية، ومن خلفها الجمهورية التركية الحالية، على خلفية التوتر السياسي بين محور السعودية والإمارات ومصر من جهة، والمحور القطري التركي من جهة ثانية. أما المسلسل الثاني، فهو المسلسل السوري “إخوة التراب” الذي أدى إلى جدل تركي عربي مشابه، في تسعينيات القرن الماضي، حين عالج أحداث الحرب العالمية الأولى والحركة القومية العربية ضد السيطرة العثمانية.

وأشار إلى أن “التاريخ العربي العثماني المشترك يبدو وكأنه حديقة تحمل ثمار الكراهية التي من الممكن العودة إليها في أي لحظة، لزرعها في الحاضر للاستثمار في تلك الكراهية وفقًا للأهداف السياسية المختلفة”. وقال: “تبدو صورة تركيا والأتراك في المسلسلات العربية صورة متطرفة وغير متوازنة، فهي إما صورة للشر المطلق النقيض للخير العربي وسلام البلاد العربية، وإما هي صورة الخير المطلق والحامي للأمة من التفكك والضياع من المصير المجهول”.

الجلسة الرابعة

جاءت الجلسة الرابعة بعنوان “حياة اللجوء السوري“، وأدارها محمد عارف نعمة، الصحافي الباحث، وتناولت أربعة محاور رئيسة حول اللجوء والهجرة، الأسباب والعوامل والتحديات.

وفي دراسة بعنوان “حياة اللجوء في مخيم الزعتري“، لـ عزام أمين، الأستاذ الباحث في معهد الدوحة للدراسات العليا، ومريم برغل، ماجستير العمل الاجتماعي من معهد الدوحة، تم تسليط الضوء على أكثر الظواهر المنتشرة في المخيمات، وهي ظاهرة زواج القاصرات لفتيات أعمارهن أقل من 18 عامًا، وفي بعض الأحيان تحت عمر 14 عامًا. وأشارت الدراسة إلى أن عددًا كبيرًا من حالات الزواج لا يتم تسجيلها، وليس هناك نسب دقيقة عن عدد حالات الزواج للقاصرات في المخيم. وطرحت الدراسة العديد من الأسئلة أبرزها: ما أسباب هذه الظاهرة ودوافع الأهالي في المخيم لقبولها والتشجيع عليها أحيانا؟ وما أهمّ الفعاليات والبرامج التوعوية التي ساهمت في الحد من انتشار هذه الظاهرة، من وجهة نظر الأهالي وصنّاع القرار؟

وسلطت الضوء على أهم العوامل التي تسبب حالة الزواج المبكر، وهي: عامل البحث عن الأمان، والحفاظ على شرف الفتاة نتيجة التحرشات المتزايدة التي تحصل في المخيم في البدايات؛ عامل الفقر؛ عامل العادات والتقاليد؛ تزويج الفتاة كوسيلة للخروج من الزعتري. وناقشت الدراسة “إستراتيجيات هوياتية لشرعنة الزواج المبكر”، كان يلجأ إليها من يقوم بهذه الظاهرة، بالعودة إلى الموروث الديني والثقافي لتبرير هذه الظاهرة.

وفي محاضرة تالية، بعنوان “اندماج اللاجئين السوريين الاجتماعي في ألمانيا: التحديات والمقاربات“، عرض عامر كاتبة، الباحث وطالب الدكتوراه في مجال دراسات النزاع والسلم في المانيا، مخرجات ورشة عمل حول الهوية والاندماج، أقيمت في ألمانيا بين العامين 2017 و2019، وكان معظم المشاركين فيها من السوريين. وأشار إلى أن الورشة أقيمت في إطار العديد من المشاريع الاجتماعية والسياسية، المتعلقة بقضايا الاندماج الاجتماعي للاجئين في ألمانيا، وتم خلال الورشة طرح العديد من الأسئلة من أهمها: كيف ينظر اللاجئون السوريون إلى قضية الاندماج الاجتماعي؟ وما التحديات التي يواجهها اللاجئون السوريون فيما يتعلق بدمجهم في ثقافات المجتمع أو الجماعة المضيفة؟ وما المقاربات والأنشطة التي يمكن أن تساعد في مواجهة هذه التحديات؟ كما تناول مقاربات للتعامل مع التحديات التي يواجهها اللاجئون السوريون في ألمانيا.

وفي دراسة بعنوان “أثر برنامج تدريسي مبني على مجموعة من الطرائق التفاعلية في اكتساب التلامذة مهارات عمليات العلم الأساسية وتحصيلهم في مادة العلوم والتربية الصحية“، قالت زرياف المقداد، أستاذة اللغة العربية لغير الناطقين بها في فرنسا: إن “البحث هو عبارة عن دراسة تجريبية في مدارس الحلقة الأولى من التعليم الأساسي في مدينة درعا”. وأضافت أن “البحث يهدف إلى تقصي أثر استخدام برنامج مبني على مجموعة من الطرائق التفاعلية في اكتساب التلامذة مهارات عمليات العلم الأساسية، ورفع مستوى تحصيلهم في مادة العلوم والتربية الصحية، وذلك ببناء برنامج تعليمي وباستخدام المنهج التجريبي والمنهج الوصفي التحليلي على عينة من تلامذة التعليم الأساسي”.

وأوضحت أن ما دفعها إلى إعداد هذه الدراسة هو مجموعة من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة عليها، ومنها: هل يستطيع تلميذنا أن يطبّق معرفته أو تعليمه على مواقف حياتية أخرى؟ وهل يستطيع أن ينمي مهارة مثل مهارة الملاحظة أو الاستنتاج أو استخدام علاقات الزمان والمكان، إذا وُجد في موقف تعليمي مشابه لما تعلمه في المدرسة؟

وتنطلق أهمية البحث، بحسب المقداد، من تنمية التفكير العلمي عبر الأنشطة العلمية التي طبقت في البرنامج التعليمي المصمم، وهو استجابة موضوعية لاستخدام طرائق تفاعلية تكاملية في اكتساب المعرفة العلمية. وأشارت إلى أن “هذا البحث أثبت فاعلية الطرائق التفاعلية، باكتساب وتنمية مهارات عمليات العلم الأساسية، والاحتفاظ بأثر التعلم ثم تطبيقه في مراحل متقدمة من المعرفة العلمية”.

وختام الجلسات كانت حول دراسة بعنوان “موقف الباحث في قضايا الهجرة في ضوء تعدد الإثنيات“، أراد يحيى العبد الله، طالب الدكتوراه والباحث في الأنثروبولوجيا في فرنسا، خلالها طرح سؤال إثنوغرافي منهجي: كيف نستطيع القيام ببحث إثنوغرافي في مجال الهجرة؟ وهو سؤال ازداد طرحه خصوصًا بعد ازدياد موجات الهجرة في وقتنا الحالي.

وأراد العبد الله، تسليط الضوء على منهج بحثي متعدد المواقع وطويل الأمد، وكيف يمكن أن يكون هذا النوع من البحث أداةً مفيدة تساعدنا في تطوير وجهة نظر مُقارنة ونقدية، في مكانين مختلفين أو أكثر، ضمن فترة زمنية طويلة أو معقولة مع نفس المجموعة التي يراد إجراء البحث معها وليس عليها. وقال: إذا استطاع الباحث الوصول إلى لعب أدوار مختلفة والحصول على مواقع مختلفة ذات وجهات نظر مختلفة مع نفس المجموعة، في وقت زمني طويل وحضور مضاعف، فإن هذا الشيء من الممكن أن يساعدنا في عدم الخوف من الصعوبة في إجراء البحث الإثنوغرافي.

وشهدت الجلستان الثالثة والرابعة مشاركة وتفاعلًا واضحًا، من الباحثين والمثقفين والمفكرين، من خلال توجيه الأسئلة والإجابة عليها ومناقشتها.

وكانت أعمال “المؤتمر الأول للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية” قد انطلقت، الجمعة 15 كانون الثاني/ يناير الجاري، وافتتحت بكلمات ترحيبية من كل من سمير سعيفان، وخضر زكريا، ويوسف سلامة، وساري حنفي، وشارك فرانسوا بورغا، بمحاضرة رئيسية بعنوان “عشرة (دروس) حول الربيع العربي”.

وجاءت الجلسة الأولى بعنوان: “الاقتصاد السياسي والنزاعات العسكرية”، وتضمنت العديد من المحاور منها: “الاقتصاد السياسي تحت حكم العسكر الحالة السورية بين 1963 و2010” لـ سمير سعيفان؛ و”التحولات داخل الفصائل الإسلامية السورية المسلحة (2011- 2021) أحرار الشام، جيش الإسلام، فيلق الشام” لـ حمزة المصطفى؛ و”طرح الحل السياسي في سورية ومستقبل القوات العسكرية ما دون الدولة (نموذجًا قوات المعارضة السورية المسلحة)” لـ محمد بقاعي؛ و”الإصلاح القانوني لإدارة المالية العامة ضمن سياسات التنمية دراسة ناقدة للتجربة السورية” لـ لانا زباد.

أما الجلسة الثانية، فجاءت تحت عنوان “الحركات الدينية والطائفية”، وتضمنت محاور عدة منها: “التعليم الشرعي الجامعي السوري: التقليدية الفقهية بنتائج غير تقليدية” لـ ساري حنفي؛ و”بناء الثقة بين العرب والأكراد” لـ عبد الله النجار؛ و”الأقليات الدينية في المشرق العربي وصناعة الطائفية” لـ فايز القنطار؛ و”الثورة من الداخل: الحركة الاحتجاجية الطلابية في جامعة حلب بين عامي 2011 و2013″ لـ علي الجاسم.

وتُختتم أعمال المؤتمر، يوم الأحد 17 كانون الثاني/ يناير الجاري، بثلاث جلسات رئيسية: الأولى بعنوان “القضايا الجندرية“، والثانية بعنوان “الدولة والهوية“، والثالثة “التحول الديمقراطي والعدالة الانتقالية في سورية“.

ويتيح المؤتمر، للباحثين السوريين، ومن في حكمهم، في أي من العلوم الاجتماعية (علم الاجتماع، الفلسفة، الأنثروبولوجيا، علم السكان، الاقتصاد السياسي، العلوم السياسية والعلاقات الدولية، التاريخ، التربية، علم النفس، الإعلام، القانون، الدراسات العابرة للتخصصات) تقديم أوراق علمية حول الأبحاث التي يجرونها، أو التي تم إنجازها ولم تُنشر بعد، بغض النظر عن موضوع البحث أو التخصص الأكاديمي للباحث.

_____

برهان غليون: شغل منذ 1990 منصب أستاذ علم الاجتماعي السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون في باريس. بالإضافة إلى نشاطاته الأكاديمية والعلمية، لم يتوقف غليون خلال العقود الماضية عن المشاركة في النقاش النظري والسياسي حول قضايا المجتمعات العربية، وفي مقدمها قضية الديمقراطية. ساهم في تأسيس المجلس الوطني السوري الذي مثل الانتفاضة السورية عام 2011، وتقلد رئاسته في مرحلته الأولى. صدرت له عشرات الأبحاث والمؤلفات باللغتين العربية والفرنسية، أقدمها: بيان من أجل الديمقراطية 1976، وأحدثها، كتاب عطب الذات، وقائع ثورة لم تكتمل 2019، عن الثورة السورية.

سمير سعيفان: مدير “مركز حرمون للدراسات المعاصرة”، مستشار وخبير اقتصادي سوري، باحث في العديد من مراكز الأبحاث العربية والأجنبية، له عديد من الدراسات والمقالات المنشورة في الصحافة السورية والعربية والدولية.

يوسف سلامة: أستاذ الفلسفة المعاصرة سابقًا في جامعة دمشق، ويعمل حاليًا كرئيس تحرير مجلة قلمون الصادرة عن مركز حرمون للدراسات المعاصرة.

حسام الدين درويش: باحثٌ في مركز الدراسات الإنسانية للبحوث المتقدمة، في جامعة لايبتزيغ، ومحاضرٌ في قسم الدراسات الشرقية، في جامعة كولونيا، في ألمانيا. صدر له ثلاثة كتب باللغة العربية، وثلاثة كتب باللغة الفرنسية، وعشرات الأبحاث المحكَّمة، باللغتين العربية والإنكليزية.

فاطمة ياسين: كاتبة وصحافية مقيمة في تركيا، تحمل إجازة من كلية الآداب بجامعة دمشق، تعمل في مجال الإعلام المرئي والمكتوب، وتكتب مقالات في السياسة والثقافة، ولها عمود أسبوعي في صحيفة العربي الجديد والعديد من المقالات المنشورة في الصحف والمجلات العربية. لديها مجموعة قصصية مطبوعة اسمها “ميغ 21″، وهي حكايات سورية على خلفية الثورة.

وسيم الشرقي: كاتب ومسرحي، خريج المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق قسم الدراسات المسرحيّة، ويكمل حاليًّا دراسة الماجستير في جامعة برلين الحرّة. بالإضافة إلى عمله في المسرح، ينشر مقالات نقدية في عدد من المنصّات السوريّة والعربيّة، وله عدد من الأوراق البحثيّة المنشورة باللغتين العربيّة والإنكليزيّة، صدرت له رواية، وله رواية ثانية قيد النشر.

محمد عارف نعمة: صحافي وباحث، ليسانس فلسفة من جامعة حلب 2011، ماجستير فلسفة من جامعة حلب لم يكتمل بسبب الحرب، حاليًا ماجستير فلسفة جامعة غازي عنتاب مرحلة الإعداد.

عزام أمين: أستاذ باحث في معهد الدوحة للدراسات العليا، حاصل على شهادة الدكتوراه في علم النفس الاجتماعي في عام 2007 من جامعة ليون في فرنسا، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة في مجلات علمية عربية وعالمية، كما له العديد من مقالات الرأي السياسية المنشورة في صحف عربية.

مريم برغل: حاصلة على شهادة ماجستير العمل الاجتماعي (تنمية مجتمعية) من معهد الدوحة للدراسات العليا لعام 2019. تتمحور اهتماماتها البحثية حول ثلاثي المرأة، الهجرة، والصحة النفسية. تعمل حاليًا كباحث مشارك في معهد الدوحة، ضمن دراسة طويلة عن التوجهات الاجتماعية والرفاه في المجتمع القطري.

عامر كاتبة: باحث مستقل وطالب دكتوراه في مجال دراسات النزاع والسلم في جامعة ماغدابورغ في ألمانيا. عمل كمختص اجتماعي ومستشار للاجئين في برلين حتى حزيران/ يونيو 2016. يعمل حاليًا كمدرب في مشاريع في مجال الدعم الاجتماعي والتثقيف السياسي في ألمانيا، عضو مؤسس في منظمة حوارات.

زرياف المقداد: أستاذة اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعة الوقت الحر في إقليم الأكتين/ فرنسا، دكتوراه في التربية تخصص مناهج وطرائق التدريس، عضو الهيئة التعليمية جامعة دمشق، عضو اتحاد الكتاب العرب، وعضو اتحاد الكتاب الجزائري، عضو المرصد الأوروبي لتدريس اللغة العربية. لها خمس مجموعات قصصية ورواية، وعدد من الأبحاث التربوية والأدبية المنشورة في مجلات علمية محكمة.

يحيى العبد الله: طالب دكتوراه وباحث في الأنثروبولوجيا في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية بباريس. يتمحور بحثه حول الهجرة القسرية وسياسات الاندماج، ولا سيما في مجال التعليم لأقلية الضوم السورية في فرنسا. قبل وصوله إلى باريس، عمل كباحث في مركز شاتاك للصراع والتفاوض والتعافي في جامعة أوروبا الوسطى. وكان قد عمل كمحاضر للغة الإنكليزية وعلم النفس في جامعة ‘إشك’ في مدينة إسطنبول.

مركز حرمون للدراسات المعاصرة

مركز حرمون للدراسات المعاصرة

مؤسسة بحثية ثقافية تُعنى بشكل رئيس بإنتاج الدراسات والبحوث المتعلقة بالمنطقة العربية، خصوصًا الواقع السوري، وتهتمّ بالتنمية الاجتماعية والثقافية، والتطوير الإعلامي وتعزيز أداء المجتمع المدني، واستنهاض الطاقات البشرية السورية وتمكينها، ونشر الوعي الديمقراطي، وتعميم قيم الحوار واحترام حقوق الإنسان.

مقالات متعلقة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *